فصل: باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب التحكيم

لما كان من فروع القضاء وكان أحط رتبة من القضاء أخره، ولهذا قال أبو يوسف‏:‏ لا يجوز تعليقه بالشرط وإضافته إلى وقت، بخلاف القضاء لكونه صلحا من وجه بحر‏.‏ ‏(‏قوله هو لغة إلخ‏)‏ في الصحاح ويقال‏:‏ حكمته في مالي إذا جعلت إليه الحكم فيه ا هـ‏.‏ وهذه العبارة لا تدل على أن التحكيم لغة خاص بالمال خلافا لما توهمه عبارة الشارح، ولذا قال في المصباح‏:‏ حكمت الرجل بالتشديد فوضت الحكم إليه‏.‏ ‏(‏قوله وعرفا تولية الخصمين‏)‏ أي الفريقين المتخاصمين، فيشمل ما لو تعدد الفريقان ولذا أعيد عليها ضمير الجماعة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هذان خصمان اختصموا‏}‏ وفي المصباح‏:‏ الخصم يقع على المفرد وغيره الذكر والأنثى بلفظ واحد، وفي لغة يطابق في التثنية والجمع فيجمع على خصوم وخصام ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله حاكما‏)‏ المراد به ما يعم الواحد والمتعدد‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في البحر عن البزازية قال بعض علمائنا‏:‏ أكثر قضاة عهدنا في بلادنا مصالحون؛ لأنهم تقلدوا القضاء بالرشوة، ويجوز أن يجعل حاكما بترافع القضية، واعترض بأن الرفع ليس على وجه التحكيم بل على اعتقاد أنه ماضي الحكم وحضور المدعى عليه قد يكون بالأشخاص والجبر فلا يكون حكما، ألا ترى أن البيع قد ينعقد ابتداء بالتعاطي، لكن إذا تقدمه بيع باطل أو فاسد وترتب عليه التعاطي لا ينعقد البيع لكونه ترتب على سبب آخر فكذا هنا ولهذا قال السلف‏:‏ القاضي النافذ حكمه أعز من الكبريت الأحمر ا هـ‏.‏ قال ط‏:‏ وبعض الشافعية يعبر عنه بأنه قاضي ضرورة إذ لا يوجد قاض فيما علمناه من البلاد إلا وهو راش ومرتش ا هـ‏.‏ وانظر ما قدمناه أول القضاء‏.‏ ‏(‏قوله وركنه لفظه إلخ‏)‏ أي ركن التحكيم لفظه الدال عليه أي اللفظ الدال على التحكيم كاحكم بيننا أو جعلناك حكما أو حكمناك في كذا، فليس المراد خصوص لفظ التحكيم‏.‏ ‏(‏قوله مع قبول الآخر‏)‏ أي المحكم بالفتح فلو لم يقبل لا يجوز حكمه إلا بتجديد التحكيم بحر عن المحيط‏.‏ ‏(‏قوله من جهة المحكم‏)‏ أي جنسه الصادق بالفريقين وشمل ما لو كان أحدهما قاضيا كما في القهستاني‏.‏ ‏(‏قوله لا الحرية‏)‏ فتحكيم المكاتب والعبد المأذون صحيح بحر‏.‏ ‏(‏قوله فصح تحكيم ذمي ذميا‏)‏ لأنه أهل للشهادة بين أهل الذمة دون المسلمين، ويكون تراضيهما عليه في حقهما كتقليد السلطان إياه وتقليد الذمي ليحكم بين أهل الذمة صحيح لا بين المسلمين، وكذلك التحكيم هندية عن النهاية ط وفي البحر عن المحيط‏:‏ فلو أسلم أحد الخصمين قبل الحكم لم ينفذ حكم الكافر على المسلم وينفذ للمسلم على الذمي، وقيل‏:‏ لا يجوز للمسلم أيضا وتحكيم المرتد موقوف عنده، فإن حكم ثم قتل أو لحق بطل وإن أسلم نفذ وعندهما جائز بكل حال‏.‏ ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في الباب السابق في قوله‏:‏ والمحكم كالقاضي، وأفاد جواز تحكيم المرأة والفاسق لصلاحيتهما للقضاء والأولى أن لا يحكما فاسقا بحر‏.‏ ‏(‏قوله وقته ووقت الحكم جميعا‏)‏ وكذا فيما بينهما بخلاف القاضي كما سيأتي في المسائل المخالفة بحر‏.‏ ‏(‏قوله فلو حكما عبدا إلخ‏)‏ ولو حكما حرا وعبدا فحكم الحر وحده لم يجز وكذا إذا حكما بحر عن المحيط‏.‏ ‏(‏قوله في مقلد‏)‏ بفتح اللام مبني للمجهول أي فيمن قلده الإمام القضاء‏.‏ ‏(‏قوله بخلاف الشهادة‏)‏ فإن اشتراط الأهلية فيها عند الأداء فقط وأشار بهذا إلى فائدة قول المصنف صلاحيته للقضاء حيث لم يقل للشهادة‏.‏ ‏(‏قوله وقدمنا‏)‏ أي قبيل قوله وإذا رفع إليه حكم قاض وأشار بهذا إلى أن قوله كما في مقلد ليس متفقا عليه وقدمنا أول القضاء عند قوله‏:‏ وأهله أهل الشهادة أن فيه روايتين وأنه في الواقعات الحسامية قال الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة؛ لأن الكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين وأن هذا يؤيد رواية صحة تولية الكافر والعبد وصحة حكمهما بعد الإسلام والعتق بلا تجديد تولية وبه جزم في البحر واقتصر عليه في الفتح خلافا لما مشى عليه المصنف هنا وأن هذا بخلاف الصبي إذا بلغ فإنه لا بد من تجديد توليته وقدمنا وجه الفرق هناك فافهم وهل تجري هذه الرواية في الحكم‏؟‏ لم أره والظاهر لا‏.‏

مطلب حكم بينهما قبل تحكيمه ثم أجازاه جاز

‏(‏قوله ورضيا بحكمه‏)‏ أي إلى أن حكم كذا في الفتح فأفاد أنه احترز عما لو رجعا عن تحكيمه قبل الحكم أو عما لو رضي أحدهما فقط، لكن كان الأولى ذكره قبل قوله‏:‏ فحكم لئلا يوهم اشتراط الرضا بعد الحكم مع أنه إذا حكم لزمهما حكمه كما في الكنز وغيره ويأتي متنا أو يذكره هناك بأو ليدخل ما لو حكم بينهما قبل تحكيمه ثم قالا رضينا بحكمه وأجزناه فإنه جائز كما نقله ط عن الهندية‏.‏ ‏(‏قوله صح لو في غير حد وقود إلخ‏)‏ شمل سائر المجتهدات من حقوق العباد كما ذكره بعد، وما ذكره من منعه في القصاص تبعا للكنز وغيره هو قول الخصاف وهو الصحيح كما في الفتح، وما في المحيط من جوازه فيه لأنه من حقوق العباد ضعيف رواية ودراية؛ لأن فيه حق الله تعالى أيضا وإن كان الغالب حق العبد وكذا ما اختاره السرخسي من جوازه في حق القذف ضعيف بالأولى لأن الغالب فيه حق الله تعالى على الأصح بحر‏.‏ ‏(‏وقوله ودية على عاقلة‏)‏ خرج ما لو كانت على القاتل بأن ثبت القتل بإقراره، أو ثبتت جراحة ببينة وأرشها أقل مما تحمله العاقلة خطأ كانت الجراحة أو عمدا، أو كانت قدر ما تتحمله ولكن كانت الجراحة عمدا لا توجب القصاص فينفذ حكمه وتمامه في البحر‏.‏ ‏(‏قوله بمنزلة الصلح‏)‏ لأنهما توافقا على الرضا بما يحكم به عليهما‏.‏ ‏(‏قوله وهذه لا تجوز بالصلح‏)‏ اعترض بأنه سيأتي في الصلح جوازه في كل حق يجوز الاعتياض عنه، ومنه القصاص لا فيما لا يجوز، ومنه الحدود‏.‏ أقول‏:‏ منشأ الاعتراض عدم فهم المراد فإن المراد أن هذه الثلاثة لا تثبت بالصلح أي بأن اصطلحا على لزوم الحد أو لزوم القصاص إلخ وما سيأتي في الصلح معناه أنه يجوز الصلح عن القصاص بمال لأنه يجوز الاعتياض عنه بخلاف الحد، فالقصاص هنا مصالح عنه، وفي الأول مصالح عليه، والفرق ظاهر كما لا يخفى‏.‏ ‏(‏قوله بعد وقوعه‏)‏ الأولى أن يبدله بقوله قبل الحكم‏.‏ ‏(‏قوله كما ينفرد أحد العاقدين إلخ‏)‏ أي بنقض العقد وفسخه إذا علم الآخر ولو بكتابة أو رسول على تفصيل مر في الشركة، ويأتي في الوكالة والمضاربة إن شاء الله تعالى‏.‏ ‏(‏قوله بلا التماس طالب‏)‏ يعني أن الموكل ينفرد بعزل الوكيل ما لم يتعلق بالتوكيل حق المدعي كما لو أراد خصمه السفر فطلب منه أن يوكل وكيلا بالخصومة فليس له عزله كما سيأتي في بابه‏.‏ ‏(‏قوله وغريما له‏)‏ منصوب على أنه مفعول معه‏.‏ ‏(‏قوله لأن حكمه كالصلح‏)‏ والصلح من صنيع التجار، فكان كل واحد من الشريكين راضيا بالصلح وما في معناه بحر قوله بتحكيمه‏)‏ متعلق برضا‏.‏ ‏(‏قوله ثم استثناء الثلاثة‏)‏ أي الحد والقود والدية على العاقلة وكان الأولى ذكر هذا عقبها‏.‏ ‏(‏قوله في كل المجتهدات‏)‏ أي المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد من حقوق العباد كالطلاق والعتاق والكتابة والكفالة والشفعة والنفقة والديون والبيوع بخلاف ما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا‏.‏ ‏(‏قوله كحكمه بكون الكنايات رواجع إلخ‏)‏ قال الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء هو الظاهر عند أصحابنا وهو الصحيح، لكن مشايخنا امتنعوا عن هذه الفتوى وقالوا يحتاج إلى حكم الحاكم كما في الحدود والقصاص كي لا يتجاسر العوام فيه ا هـ‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وفي الفتاوى الصغرى حكم المحكم في الطلاق المضاف ينفذ لكن لا يفتى به فيها روي عن أصحابنا ما هو أوسع من هذا وهو أن صاحب الحادثة لو استفتى فقيها عدلا فأفتى ببطلان اليمين وسعه اتباع فتواه وإمساك المرأة المحلوف بطلاقها وروي عنهم ما هو أوسع وهو إن تزوج أخرى وكان حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها فاستفتى فقيها آخر فأفتاه بصحة اليمين فإنه يفارق الأخرى ويمسك الأولى عملا بفتواهما ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وغير ذلك‏)‏ كما إذا مس صهوته بشهوة وانتشر لها فحكم الزوجان حكما ليحكم لهما بالحل على مذهب الشافعي فالأصح هو النفاذ إن كان المحكم يراه وإلا فالصحيح عدمه أفاده في البحر عن القنية‏.‏ ‏(‏قوله وظاهر الهداية إلخ‏)‏ حيث قال قالوا‏:‏ وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات، وهو الصحيح إلا أنه لا يفتى به ويقال يحتاج إلى حكم المولى دفعا لتجاسر العوام ا هـ‏.‏ أي تجاسرهم على هدم المذهب فتح‏:‏ ومثل عبارة الهداية عبارة شرح أدب القضاء المارة آنفا، وتقدم فيها أن الصحيح صحة التحكيم، وأنه الظاهر عن أصحابنا وكان ما هنا ترجيح للقول الآخر المقابل للصحيح، والمتبادر من عبارة الهداية‏:‏ أنه لا يفتى بجوازه في سائر المجتهدات، لكن ذكر في البحر عن الولوالجية، والقنية ما هو كالصريح في أن ذلك في اليمين المضافة ونحوها، ونحوه ما قدمناه آنفا عن الفتح عن الفتاوى الصغرى‏:‏ يأتي التصريح به في المخالفات، ولكن يتأمل في وجه المنع من عدم الإفتاء به، والتعليل بأن لا يتجاسر العوام على هدم المذهب لا يظهر في خصوص اليمين المضافة ونحوها‏.‏ ثم رأيت المقدسي توقف في ذلك أيضا وأجاب بما حاصله‏:‏ أنهم منعوا من تولية القضاء لغير الأهل لئلا يحكم بغير الحق وكذلك منعوا من التحكيم هنا لئلا يتجاسر العوام على الحكم بغير علم‏.‏ قلت‏:‏ هذا يفيد منع التحكيم مطلقا إلا لعالم‏.‏ والأحسن في الجواب أن يقال‏:‏ إن الحالف في اليمين المضافة إذا كان يعتقد صحتها يلزمه العمل بما يعتقده، فإذا حكم بعدم صحتها حاكم مولى من السلطان لزمه اتباع رأي الحاكم وارتفع بحكمه الخلاف، وأما إذا حكم رجلا فلا يفيده شيئا سوى هدم مذهبه لأن حكم المحكم بمنزلة الصلح لا يرفع خلافا ولا يبطل العمل بما كان الحالف يعتقده فلذا قالوا لا يفتى به ولا بد من حكم المولى هذا ما ظهر لي والله سبحانه أعلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

سيأتي في المخالفات أنه لا يصح حكمه بما فيه ضرر على الصغير بخلاف القاضي‏.‏

‏(‏قوله وصح إخباره إلخ‏)‏ أي إذا قال لأحدهما أقررت عندي، أو قامت عندي بينة عليك لهذا فعدلوا عندي، وقد ألزمتك بذلك وحكمت لهذا فأنكر المقضي عليه لا يلتفت إلى إنكاره ومضى القضاء عليه ما دام المجلس باقيا، لأن المحكم ما دام تحكيمهما قائما كالقاضي المقلد إلا أن يخرجه المخاطب عن الحكم، ويعزله قبل أن يقول حكمت عليك أو قاله بعد المجلس لأنه بالقيام منه ينعزل كما ينعزل بعزل أحدهما قبل الحكم فصار كالقاضي إذا قال بعد العزل قضيت بكذا لا يصدق فتح‏.‏ ‏(‏قوله لا يصح إخباره بحكمه‏)‏ أي بعد ما قام

‏(‏قوله كحكم القاضي‏)‏ فإنه لا يصح لمن لا تقبل شهادته له‏.‏ ‏(‏قوله فلا بد من اجتماعهما‏)‏ فلو حكم أحدهما أو اختلفا لم يجز كما في البحر عن الولوالجية وفيه عن الخصاف لو قال لامرأته أنت علي حرام، ونوى الطلاق دون الثلاث فحكما رجلين، فحكم أحدهما بأنها بائن وحكم الآخر بأنها بائن بالثلاث لم يجز لأنهما لم يجتمعا على أمر واحد ا هـ‏.‏

‏(‏قوله ويمضي حكمه‏)‏ أي إذا رفع حكمه إلى القاضي إن وافق مذهبه أمضاه وإلا أبطله، وفائدة إمضائه هاهنا أنه لو رفع إلى قاض آخر يخالف مذهبه ليس لذلك القاضي ولاية النقض فيما أمضاه هذا القاضي جوهرة وفي البحر ولو رفع حكمه إلى حكم آخر حكماه بعد فالثاني كالقاضي يمضيه إن وافق رأيه وإلا أبطله‏.‏ ‏(‏قوله لأن حكمه لا يرفع خلافا‏)‏ لقصور ولايته عليهما بخلاف القاضي العام‏.‏ ‏(‏قوله للمحكم‏)‏ بدل من له‏.‏ ‏(‏قوله تفويض التحكيم إلى غيره‏)‏ فلو فوض وحكم الثاني بلا رضاهما فأجازه القاضي لم يجز إلا أن يجيزاه بعد الحكم، قيل ينبغي أن يكون كالوكيل الأول إذا أجاز فعل الوكيل الثاني فتح‏.‏ ‏(‏قوله وحكمه بالوقف‏)‏ أي بلزومه لا يرفع خلافا أي خلاف الإمام القائل بعدم لزومه، بل يبقى عنده غير لازم يصح رجوعه عنه‏.‏ ‏(‏قوله بشرطه‏)‏ أي من كونه مفرزا عقارا ونحو ذلك مما مر في بابه‏.‏ ‏(‏قوله ولا يمضيه‏)‏ عبارة البحر لا أنه يمضيه‏.‏ ‏(‏قوله عد منها في البحر سبعة عشر‏)‏ أشار إلى أنها تزيد على ذلك وهو كذلك وتقدم كثير منها في الشرح والمتن؛ ومنها وأنه لو استقضي العبد ثم عتق فقضى صح على أحد القولين بخلاف المحكم كما مر، وأنه لا بد من تراضيهما عليه وأن التحكيم لا يصح في حد وقود ودية على العاقلة، وأن لكل منهما عزله قبل الحكم، وأنه لا يتعدى حكمه الرد بالعيب إلى بائع البائع، وأنه لا يفتى بحكمه في فسخ اليمين المضافة ونحوها وأنه لا يصح إخباره بحكمه بخلاف القاضي على ما سيأتي في آخر المتفرقات، وأنه لو خالف حكمه رأي القاضي أبطله، وأنه ليس له التفويض إلى غيره وأن الوقف لا يلزم بحكمه فهذه عشرة مسائل مذكورة في البحر‏.‏ وبقي أنه لا يجوز تعليقه ولا إضافته عند أبي يوسف وأنه لا يتعدى حكمه إلى الغائب لو كان ما يدعى عليه سببا لما يدعى على الحاضر، وأنه لا يجوز كتابه إلى القاضي كعكسه وأنه لا يحكم بكتاب قاض إلا إذا رضي الخصمان وأنه لا يتعدى حكمه من وارث إلى الباقي والميت وأنه لا يتعدى حكمه على وكيل بعيب المبيع إلى موكله وأنه لا يصح حكمه على وصي بما فيه ضرر على الصغير وأنه لا يتقيد ببلد التحكيم بل له الحكم في البلاد كلها، وأنه لو اختلف الشاهدان فشهد أحدهما أنه وكل زيدا بالخصومة إلى قاضي الكوفة والآخر إلى قاضي البصرة تقبل لا لو شهد أحدهما بذلك إلى الفقيه فلان والآخر إلى الفقيه فلان آخر، لأن الحكم متوسط، وقد يكون أحد المحكمين أحذق من الآخر فلا يرضى الموكل بالآخر بخلاف ما لو كان المطلوب نفس القضاء فإنه لا يختلف كما في شرح أدب القضاء فهذه تسع مذكورة في البحر أيضا وذكر فيه أربع مسائل أخر ذكرها الشارح بعد، فهذه ثلاث وعشرون مسألة وزاد في البحر أخرى حيث قال‏:‏ ثم اعلم أنهم قالوا إن القضاء يتعدى إلى الكافة في أربع الحرية والنسب والنكاح والولاء ولم يصرحوا بحكمها من المحكم ويجب أن لا يتعدى، فتسمع دعوى الملك في المحكوم بعتقه من المحكم بخلاف القاضي ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويزاد أيضا أنه ينعزل بقيامه من المجلس كما قدمناه عن الفتح فهي أربعة وعشرون‏.‏ ‏(‏قوله بخلاف القاضي‏)‏ فإن الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة كما قدمناه فإذا أسلم لا يحتاج إلى تولية جديدة‏.‏ ‏(‏قوله فلغيره قبولها‏)‏ بخلاف ما لو رد قاض شهادة للتهمة لا يقبلها قاض آخر، لأن القضاء بالرد نفذ على الكافة بحر عن المحيط‏.‏ ‏(‏قوله وينبغي أن لا يلي الحبس ولم أره‏)‏ كذا في بعض نسخ البحر، وفي بعضها قبل قوله ولم أره ما نصه وفي صدر الشريعة من باب التحكيم قال‏:‏ وفائدة إلزام الخصم أن المتبايعين إن حكما حكما فالحكم يجبر المشتري على تسليم الثمن والبائع على تسليم المبيع ومن امتنع يحبسه ا هـ‏.‏ فهذا صريح في أن الحكم يحبس ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وكذا إلخ‏)‏ هذا من البحر أيضا حيث قال‏:‏ وكذا لم أر حكم قبول الهداية وإجابة الدعوة، وينبغي أن يجوزا له لانتهاء التحكيم بالفراغ إلا أن يهدى إليه وقته من أحدهما فينبغي أن لا يجوز ا هـ‏.‏ وذكر الرحمتي أن الذي ينبغي الجواز لأن من ارتاب فيه له عزله قبل الحكم بخلاف القاضي ا هـ‏.‏ وفيه نظر والله سبحانه أعلم‏.‏

باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

هذا أيضا من أحكام القضاء غير أنه لا يتحقق في الوجود إلا بقاضيين، فهو كالمركب بالنسبة لما قبله فتح وهذا أولى من قول الزيلعي إنه ليس من كتاب القضاء لأنه إما نقل شهادة أو نقل حكم‏:‏ نعم هو من عمل القضاة فكان ذكره فيه أنسب ا هـ‏.‏ وحيث كان من عملهم فكيف ينفيه بحر وأجاب في النهر بأن المنفي كونه قضاء والمثبت كونه من أحكامه‏.‏ ‏(‏قوله وغيره‏)‏ عطف على كتاب ط‏.‏ ‏(‏قوله إلى القاضي‏)‏ أي البعيد بمسافة يأتي بيانها وأفاد أن قاضي مصر يكتب إلى مثله وإلى قاضي الرستاق، بخلاف العكس وفيه خلاف يأتي قال في الفتح‏:‏ ولو كتب القاضي إلى الأمير الذي ولاه أصلح الله الأمير ثم قص القصة وهو معه في المصر فجاء به ثقة يعرفه الأمير ففي القياس لا يقبل لأن إيجاب العمل بالبينة، ولأنه لم يذكر اسمه واسم أبيه‏.‏ وفي الاستحسان يقبل لأنه متعارف ولا يليق بالقاضي أن يأتي في كل حادثة إلى الأمير ليخبره، ولو أرسل رسولا ثقة كان كالمرسل في جواز العمل به، فكذا إذا أرسل كتابه ولم يجر الرسم في مثله من مصر إلى مصر فشرطنا هناك كتاب القاضي إلى القاضي ا هـ‏.‏

أي شرطنا ذلك فيما إذا كان الأمير في مصر آخر وقد أسقط في البحر والنهر من عبارة الفتح قوله ولم يجر الرسم في مثله من مصر إلى مصر فاختل نظام الكلام فافهم‏.‏ ‏(‏قوله كل حق‏)‏ من نكاح وطلاق وقتل موجبه مال وأعيان ولو منقولة وهو المروي عن محمد وعليه المتأخرون، وبه يفتى للضرورة وفي ظاهر الرواية لا يجوز في المنقول للحاجة إلى الإشارة إليه عند الدعوى والشهادة، وعن الثاني تجويزه في العبد لغلبة الإباق فيه لا في الأمة وعنه تجويزه في الكل قال الإسبيجابي وعليه الفتوى بحر‏.‏ ‏(‏قوله استحسانا‏)‏ والقياس أن لا يجوز لأن كتابته لا تكون أقوى من عبارته وهو لو أخبر القاضي في محله لم يعمل بإخباره فكتابه أولى وإنما جوزناه لأثر علي رضي الله عنه وللحاجة بحر ‏(‏قوله فإن شهدوا على خصم حاضر إلخ‏)‏ قال في النهاية المراد بالخصم هو الوكيل عن الغائب أو المسخر الذي جعله أي القاضي وكيلا لإثبات الحق، ولو كان المراد بالخصم هو المدعى عليه لما احتيج إلى قاض آخر لأن حكم القاضي قد تم على الأول‏.‏ أقول‏:‏ لا يخفى ما فيه من التكلف والأحسن أن يقال‏:‏ إن قوله فإن شهدوا على خصم ليس بمقصود بالذات في هذا الباب بل توطئة لقوله‏:‏ وإن شهدوا بغير خصم لم يحكم فيه، ونظائره كثيرة كذا في الدرر‏.‏ قلت‏:‏ وحاصله أنه ليس المراد في هذه المسألة من كتاب القاضي حكمه إلى قاض آخر حتى يراد بالخصم فيها الوكيل أو المسخر بل المراد أن الشهادة عند القاضي تارة تكون على خصم حاضر، فيحكم بها عليه ويكتب بحكمه كتابا ليحفظ الواقعة لا ليبعثه إلى قاض آخر، لأن الحكم قد تم وتارة تكون على خصم غائب، وهي الآتية فهذه ذكرت توطئة لتلك وإلى هذا أشار الشارح بقوله ليحفظ‏:‏ أي ليحفظ الواقعة وذكر في النهر عن الزيلعي أنه إذا قدر أن الخصم غاب بعد الحكم عليه وجحد الحكم فحينئذ يكتب له ليسلم إليه حقه أو لينفذ حكمه ا هـ‏.‏ وحاصله أنه قد يحتاج في المسألة الأولى إلى أن يبعث بكتاب حكمه على الخصم الحاضر إلى قاض آخر فيكون ذكرها مقصودا في هذا الباب وأفاد القهستاني أن الكتاب يكون إلى القاضي، ولو كان الخصم حاضرا وذلك لإمضاء قاض آخر كما إذا ادعى على آخر ألفا وبرهن وحكم به، ثم اصطلحا أن يأخذه منه في بلد آخر وخاف أن ينكر فكتب به لإمضاء قاضي البلد‏.‏ ‏(‏قوله هو السجل‏)‏ بكسر السين والجيم وتشديد اللام والضمتان مع التشديد والفتح مع سكون الجيم والكسر لغات قهستاني عن الكشاف‏.‏ ‏(‏قوله التي فيها حكم القاضي‏)‏ بيان للنسبة في قوله الحكمي وشمل ما إذا كان إلى قاض آخر أو لا‏.‏ ‏(‏قوله وكتب الشهادة‏)‏ أي بعد ما سمعها وعدلت نهر‏.‏ ‏(‏قوله وإن كان مخالفا لرأي الكاتب إلخ‏)‏ أي بخلاف السجل فإنه ليس له أن يخالفه وينقض حكمه لأن السجل محكوم به دون الكتاب ولهذا له أن لا يقبل الكتاب دون السجل كما في البحر عن منية المفتي وقوله في النهر ولم أجده فيها مبني على ما في نسخته وإلا فقد وجدته في نسختي وفي الفتح‏:‏ والكتاب الحكمي لا يلزم العمل إذا كان يخالفه لأنه لم يقع حكم في محل اجتهاد فله أن لا يقبله ولا يعمل له‏.‏ ‏(‏قوله ويسمى الكتاب الحكمي‏)‏ هذا في عرفهم نسبوه إلى الحكم باعتبار ما يئول فتح‏.‏ ‏(‏قوله وليس بسجل‏)‏ لأن السجل محكوم به بخلاف الكتاب الحكمي‏.‏ ‏(‏قوله وقرأ الكتاب عليهم‏)‏ أي على شهود الطريق ولو فسر الضمير هنا وتركه في قوله وختم عندهم ليعود على معلوم لكان أولى ط‏.‏ ‏(‏قوله أو أعلمهم بما فيه‏)‏ أي بأخباره لأنه لا شهادة بلا علم المشهود به، كما لو شهدوا بأن هذا الصك مكتوب على فلان لا يفيد ما لم يشهدوا بما تضمنه من الدين فتح‏.‏ قال في البحر‏:‏ ولا بد لهم من حفظ ما فيه ولهذا قيل ينبغي أن يكون معهم نسخة أخرى مفتوحة، فيستعينوا منها على الحفظ فإنه لا بد من التذكر من وقت الشهادة إلى وقت الأداء عندهما‏.‏ ‏(‏قوله وختم عندهم‏)‏ أي على الكتاب بعد طيه ولا اعتبار للختم في أسفله فلو انكسر خاتم القاضي أو كان الكتاب منشورا لم يقبل، وإن ختم في أسفله كما في الذخيرة، وإنما قال عندهم لأنه لا بد أن يشهدوا عنده أن الختم بحضرتهم كما في المغني، واشتراط الختم ليس بشرط إلا إذا كان الكتاب في يد المدعي وبه يفتي كما ذكره المصنف قهستاني‏.‏ ‏(‏قوله وسلم الكتاب إليهم‏)‏ أي في مجلس يصح حكمه فيه فلو سلم في غير ذلك المجلس لم يصح كما في الكرماني قهستاني قال في النهاية‏:‏ وعمل القضاة اليوم أنهم يسلمون المكتوب إلى المدعي وهو قول أبي يوسف وهو اختيار الفتوى على قول شمس الأئمة وعلى قول أبي حنيفة يسلم المكتوب إلى الشهود كذا وجدت بخط شيخي ا هـ‏.‏ ثم قال وأجمعوا في الصك أن الإشهاد لا يصح ما لم يعلم الشاهد ما في الكتاب فاحفظ هذه المسألة فإن الناس اعتادوا خلاف ذلك ا هـ‏.‏ سعيدية لكن ينافي دعوى الإجماع ما سيأتي عن أبي يوسف، وقدم المصنف في باب الاستحقاق لا يحكم بسجل الاستحقاق بشهادة أنه كتاب كذا بل لا بد من الشهادة على مضمونه وكذا ما سوى نقل الشهادة والوكالة ا هـ‏.‏ ومثله في الغرر فهذا صريح في أن كتاب نقل الشهادة والوكالة لا يحتاج للشهادة على مضمونه ومقتضاه أنه لا حاجة لقراءته على الشهود أيضا والظاهر أنه مبني على قول أبي يوسف الآتي تأمل‏.‏ ‏(‏قوله وشهرتهما‏)‏ أفاد أن الاسم وحده لا يكفي بلا شهرة بكنية ونحوها قال في الفتح‏:‏ ولو كان العنوان من فلان إلى فلان أو من أبي فلان إلى أبي فلان لا يقبل، لأن مجرد الاسم أو الكنية لا يتعرف به إلا أن تكون الكنية مشهورة مثل أبي حنيفة وابن أبي ليلى وكذلك النسبة إلى أبيه فقط كعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وقيل هذا رواية وفي سائر الروايات لا تقبل الكنية المشهورة لأن الناس يشتركون فيها ويشتهر بها بعضهم فلا يعلم أن المكتوب إليه هو المشهور بها أو غيره بخلاف ما لو كتب إلى قاضي بلدة كذا فإنه في الغالب يكون واحدا فيحصل التعريف بالإضافة إلى محل ولايته ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قال في النهر‏:‏ ويكتب فيه اسم المدعي والمدعى عليه وجدهما، ويذكر الحق والشهود إن شاء وإن شاء اكتفى بذكر شهادتهم ومن الشروط أن يكتب فيه التاريخ فلو لم يكتبه لا يقبل ا هـ‏.‏ أي ليعلم أنه كان قاضيا حال الكتابة كما في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله واكتفى الثاني إلخ‏)‏ الذي في العزمية عن الكفاية هو عبارة النهاية التي ذكرناها آنفا وعبارة الملتقى هكذا وأبو يوسف لم يشترط شيئا من ذلك سوى شهادتهم أنه كتابه لما ابتلي بالقضاء، واختار السرخسي قوله وليس الخبر كالعيان ا هـ‏.‏ أي أن أبا يوسف باشر القضاء مدة مديدة فاختار ذلك لما عاين المشقة في الشروط المارة، فلذا اختار السرخسي قوله‏:‏ وظاهره أن الختم ليس بشرط عنده وظاهر الفتح أنه رواية عنه قال‏:‏ ولا شك عندي في صحته فإن الفرض عدالة حملة الكتاب فلا يضر عدم ختمه مع شهادتهم أنه كتابه نعم إذا كان الكتاب مع المدعي ينبغي اشتراط الختم لاحتمال التغيير إلا أن يشهدوا بما فيه حفظا‏.‏ ‏(‏قوله أي لا يقرؤه‏)‏ أشار إلى ما في البحر عن الفتح من أن المراد من عدم قبوله بلا خصم عدم قراءته لا مجرد قبوله لأنه لا يتعلق به حكم ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إلا بحضور الخصم وشهوده‏)‏ أي شهود أنه كتاب فلان القاضي وأنه ختمه نهر وزاد بعد هذا في الكنز فإن شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا وختمه فتحه القاضي وقرأه على الخصم وألزمه بما فيه قال في البحر‏:‏ يعني إذا ثبتت عدالتهم بأن كان يعرفهم بها أو وجد في الكتاب عدالتهم أو سأل من يعرفهم من الثقات فزكوا وأما قبل ظهور عدالتهم فلا يحكم به ولا يلزم الخصم ثم ذكر قول أبي يوسف المار‏.‏ ‏(‏قوله لشهادتهم على فعل المسلم‏)‏ وهو أنه كتب الكتاب وختمه وقرأه عليهم وسلمه إليهم‏.‏ ‏(‏قوله إلا إذا أقر الخصم‏)‏ أي بأنه كتاب فلان القاضي‏.‏

‏(‏قوله بخلاف كتاب الأمان‏)‏ معناه إذ جاء الكتاب من ملكهم بطلب الأمان بحر عن العناية‏.‏ ‏(‏قوله لأنه ليس بملزم‏)‏ لأن له أن لا يعطيهم الأمان بخلاف كتاب القاضي، فإنه يجب على القاضي المكتوب إليه أن ينظر فيه ويعمل به ولا بد للملزم من الحجة وهي البينة فتح‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

لو مرض شهود الكتاب في الطريق أو الرجوع إلى بلدهم أو السفر إلى بلدة أخرى فأشهدوا قوما على شهادتهم جاز وتمامه في الخانية‏.‏

مطلب لا يعمل بالخط

‏(‏قوله لا يعمل بالخط‏)‏ عبارة الأشباه لا يعتمد على الخط، ولا يعمل بمكتوب الوقف الذي عليه خطوط القضاة الماضين إلخ قال البيري‏:‏ المراد من قوله لا يعتمد‏:‏ أي لا يقضي القاضي بذلك عند المنازعة، لأن الخط مما يزور ويفتعل كما في مختصر الظهيرية وليس منه ما في دواوين القضاء إلى آخر ما قدمناه أول القضاء عند قوله فإذا تقلد طلب ديوان قاض قبله فراجعه‏.‏ ‏(‏قوله ويلحق به البراءات‏)‏ عبارة الأشباه ويمكن إلحاق البراءات السلطانية المتعلقة بالوظائف إن كانت العلة أنه يعني كتاب الأمان لا يزور وإن كانت العلة الاحتياط في الأمان لحقن الدم فلا‏.‏ أقول‏:‏ يجب المصير إلى الأخير سائحاني أي لإمكان التزوير بل قد وقع كما ذكره الحموي وحينئذ فلا يصح الإلحاق ولكن قد علمت أن العلة في كتاب الأمان أنه غير ملزم وقدمنا أول القضاء استظهار كون علة العمل بما له رسوم في دواوين القضاة الماضين هي الضرورة وهنا كذلك فإنه يتعذر إقامة البينة على ما يكتبه السلطان من البراءات لأصحاب الوظائف ونحوهم وكذا منشور القاضي والوالي وعامة الأوامر السلطانية مع جريان العرف والعادة بقبول ذلك بمجرد كتابته، وإمكان تزويرها على السلطان لا يدفع ذلك، لأنه وإن وقع فهو أمر نادر فلما يقع وهو أندر من إمكان تزوير الشهود وهو أولى بالقبول من دفتر الصراف ونحوه فإنهم عملوا به للعرف كما يأتي‏.‏

مطلب في العمل بما في الدفاتر السلطانية

وذكر العلامة البعلي في شرحه على الأشباه أن للشارح العلامة الشيخ علاء الدين رسالة حاصلها بعد نقله ما في الأشباه‏:‏ وأن ابن الشحنة وابن وهبان جزما بالعمل بدفتر الصراف ونحوه لعلة أمن التزوير كما جزم به البزازي والسرخسي وقاضي خان قال إن هذه العلة في الدفاتر السلطانية أولى‏:‏ كما يعرفه من شاهد أحوال أهاليها حين نقلها إذ لا تحرر أولا إلا بإذن السلطان ثم بعد اتفاق الجم الغفير على نقل ما فيها من غير تساهل بزيادة أو نقصان تعرض على المعين لذلك فيضع خطه عليها ثم تعرض على المتولي لحفظها المسمى بدفتر أميني فيكتب عليها ثم تعاد أصولها إلى أمكنتها المحفوظة بالختم فالأمن من التزوير مقطوع به وبذلك كله يعلم جميع أهل الدولة والكتبة فلو وجد في الدفاتر أن المكان الفلاني وقف على المدرسة الفلانية مثلا يعمل به من غير بينة وبذلك يفتي مشايخ الإسلام كما هو مصرح به في بهجة عبد الله أفندي وغيرها فليحفظ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده العمل بما في دواوين القضاة الماضين وكأن مشايخ الإسلام المولين في الدولة العثمانية أفتوا بما ذكر إلحاقا للدفاتر السلطانية بدواوين القضاة المذكورة لاتحاد العلة فيهما والله سبحانه أعلم‏.‏

لكن قدمنا في الوقف عن الخيرية أنه لا يثبت الوقف بمجرد وجوده في الدفتر السلطاني‏.‏

مطلب في دفتر البياع والصراف والسمسار

‏(‏قوله ودفتر بياع وصراف وسمسار‏)‏ عطف على كتاب الأمان فإن هذا منصوص عليه لا ملحق به فقد قال في الفتح من الشهادات‏:‏ أن خط السمسار والصراف حجة للعرف الجاري به ا هـ‏.‏ قال البيري‏:‏ هذا الذي في غالب الكتب حتى المجتبى فقال في الإقرار‏:‏ وأما خط البياع والصراف والسمسار فهو حجة وإن لم يكن مصدرا معنونا يعرف ظاهرا بين الناس وكذا ما يكتب الناس فيما بينهم يجب أن يكون حجة للعرف ا هـ‏.‏ وفي خزانة الأكمل صراف كتب على نفسه بمال معلوم وخطه معلوم بين التجار وأهل البلد ثم مات فجاء غريم يطلب المال من الورثة وعرض خط الميت بحيث عرف الناس خطه يحكم بذلك في تركته إن ثبت أنه خطه وقد جرت العادة بين الناس بمثله حجة ا هـ‏.‏ قال العلامة العيني‏:‏ والبناء على العادة الظاهرة واجب فعلى هذا إذا قال البياع وجدت في يادكاري بخطي أو كتبت في يادكاري بيدي أن لفلان علي ألف درهم كان هذا إقرارا ملزما إياه‏.‏ أقول‏:‏ ويزاد أن العمل في الحقيقة إنما هو لموجب العرف لا بمجرد الخط والله أعلم‏.‏

وبهذا عرف أن قولهم فيما إذا ادعى رجل مالا وأخرج بالمال خطا وادعى أنه خط المدعى عليه فأنكر كون الخط خطه فاستكتب فكتب وكان بين الخطين مشابهة ظاهرة تدل على أنهما خط كاتب واحد اختلف فيه المشايخ والصحيح أنه لا يقضى بذلك فإنه لو قال هذا خطي وليس علي هذا المال كان القول قوله يستثنى منه ما إذا كان الكاتب سمسارا أو صرافا أو نحو ذلك ممن يؤخذ بخطه كذا في قاضي خان ا هـ‏.‏ كلام البيري‏.‏ قلت‏:‏ ويستثنى منه أيضا ما قدمناه أول الباب من كتابة القاضي إلى الأمير الذي ولاه وكذا ما سيذكره الشارح عن شرح الوهبانية والملتقط، وهو ما إذا كان على وجه الرسالة مصدرا معنونا ا هـ‏.‏ وهو أن يكتب في صدره من فلان إلى فلان على ما جرت به العادة، فهذا كالنطق فلزم حجة كما في الملتقى والزيلعي من مسائل شتى آخر الكتاب، ومثله في الهداية والخانية، وهذا إذا اعترف أن الخط خطه فإنه يلزمه ما فيه وإن أنكر أن يكون في ذمته ذلك المال بخلاف ما إذا لم يكن مصدرا معنونا كما هو صريح الخانية وهذا ذكروه في الأخرس وذكر في الكفاية آخر الكتاب عن الشافعي أن الصحيح مثل الأخرس فإذا كان مستبينا مرسوما وثبت ذلك بإقراره أو ببينة فهو كالخطاب ا هـ‏.‏ ومقتضى كلامهم اختصاص ذلك بكونه على وجه الرسالة إلى الغائب وهو أيضا مفاد كلام الفتح في الشهادات فراجعه لكن في شهادات البحر عن البزازية ما يدل على أنه لا فرق في المعنون بين كونه لغائب أو لحاضر ومثله ما في فتاوى قارئ الهداية إذا كتب على وجه الصكوك يلزمه المال وهو أن يكتب يقول فلان الفلاني إن في ذمتي لفلان الفلاني كذا وكذا فهو إقرار يلزم وإن لم يكتب على هذا الرسم فالقول قوله بيمينه ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ والعادة اليوم في تصديرها بالعنوان أنه يقال فيها سبب تحريره هو أنه ترتب في ذمة فلان الفلاني إلخ وكذا الوصول الذي يقال فيه وصل إلينا من يد فلان الفلاني كذا ومثله ما يكتبه الرجل في دفتره مثل قوله‏:‏ علم بيان الذي في ذمتنا لفلان الفلاني، فهذا كله مصدر معنون جرت العادة بتصديره بذلك، وهو مفاد كلام قارئ الهداية المذكور، فمقتضاه أن هذا كله إذا اعترف بأنه خطه يلزمه وإن لم يكن مصدرا معنونا لا يلزمه إذا أنكر المال، وإن اعترف بكونه كتبه بخطه إلا إذا كان بياعا أو صرافا أو سمسارا لما في الخانية‏:‏ وصك الصراف والسمسار حجة عرفا ا هـ‏.‏ فشمل ما إذا لم يكن مصدرا معنونا وهو صريح ما مر عن المجتبى وما إذا لم يعترف بأنه خطه كما هو صريح ما مر عن الخزانة‏.‏ ثم إن قول المجتبى، وكذا ما يكتب الناس فيما بينهم إلخ يفيد عدم الاقتصار على الصراف والسمسار والبياع، بل مثله كل ما جرت العادة به فيدخل فيه ما يكتبه الأمراء والأكابر ونحوهم ممن يتعذر الإشهاد عليهم، فإذا كتب وصولا أو صكا بدين عليه، وختمه بخاتمه المعروف، فإنه في العادة يكون حجة عليه بحيث لا يمكنه إنكاره، ولو أنكره بعد بين الناس مكابرا فإذا اعترف بكونه خطه وختمه، وكان مصدرا معنونا فينبغي القول بأنه يلزمه، وإن لم يعترف به، أو وجد بعد موته فمقتضى ما في المجتبى أنه يلزمه أيضا عملا بالعرف كدفتر الصراف ونحوه ومثله ما إذا وجد في صندوقه مثلا صرة دراهم مكتوب عليها هذه أمانة فلان الفلاني فإن العادة تشهد بأنه لا يكتب بخطه ذلك على دراهمه، ثم اعلم أن هذا كله فيما يكتبه على نفسه كما قيده بعض المتأخرين، وهو ظاهر بخلاف ما يكتبه لنفسه، فإنه لو ادعاه بلسانه صريحا لا يؤخذ خصمه به فكيف إذا كتبه ولذا قيده في الخزانة بقوله كتب على نفسه كما مر وذكر في شرح الوهبانية أئمة بلخ قالوا يادكار البياع حجة لازمة عليه، فإن قال البياع وجدت بخطي أن علي لفلان كذا لزم قال السرخسي، وكذا خط السمسار والصراف ا هـ‏.‏ فقوله إن علي لفلان إلخ صريح في ذلك، وأما قول ابن وهبان في تعليل المسألة لأنه لا يكتب إلا ما له وعليه، فمراده أن البياع ونحوه لا يكتب في دفتر شيئا على سبيل التجربة للخط أو اللغو واللعب بل لا يكتب إلا ما له أو عليه ولا يلزم من هذا أن يعمل بكتابته في الذي له كما لا يخفى، خلافا لمن فهم منه ذلك ويجب تقييده أيضا بما إذا كان دفتره محفوظا عنده‏.‏ فلو كانت كتابته فيما عليه في دفتر خصمه فالظاهر أنه لا يعمل به خلافا لما بحثه ط لأن الخط مما يزور وكذا لو كان له كاتب والدفتر عند الكاتب، لاحتمال كون الكاتب كتب ذلك عليه بلا علمه، فلا يكون حجة عليه إذا أنكره أو ظهر ذلك بعد موته وأنكرته الورثة خلافا لمن حكم في عصرنا بذلك لذمي ادعى على ورثة تاجر له كاتب ذمي ودفتر التاجر عند كاتبه الذمي فقد كنت أفتيت بأنه حكم باطل وكون المدعي والكاتب ذميين يقوي شبهة التزوير وأن الكتابة حصلت بعد موت التاجر وتمام الكلام في كتابنا تنقيح الحامدية‏.‏ ‏(‏قوله إن تيقن به‏)‏ أي بأنه خط من يروى عنه في الأول وبأنه خط نفسه في الأخيرين ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله قيل وبه يفتى‏)‏ قال في خزانة الأكمل‏:‏ أجاز أبو يوسف ومحمد العمل بالخط في الشاهد والقاضي والراوي إذا رأى خطه ولم يتذكر الحادثة قال في العيون‏:‏ والفتوى على قولهما إذا تيقن أنه خطه سواء كان في القضاء أو الرواية أو الشهادة على الصك، وإن لم يكن الصك في يد الشاهد، لأن الغلط نادر وأثر التغيير يمكن الاطلاع عليه، وقلما يشتبه الخط من كل وجه فإذا تيقن جاز الاعتماد عليه توسعة على الناس ا هـ‏.‏ حموي لكن سيذكر الشارح في الشهادات قبيل باب القبول ما نصه‏:‏ وجوزاه لو في حوزه وبه نأخذ بحر عن المبتغى ا هـ‏.‏ وهذا ما اختاره المحقق ابن الهمام هناك وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله ولا بد من مسافة إلخ‏)‏ فلو أقل لا يقبل وفي نوادر هشام‏:‏ إذا كان في مصر واحد قاضيان جاز كتابة أحدهما إلى الآخر في الأحكام جوهرة عن الينابيع وكذا كتابة القاضي إلى الأمير الذي ولاه وهو معه في المصر كما مر أول الباب‏.‏ ‏(‏قوله على الظاهر إلخ‏)‏ قال في المنح هذا هو ظاهر الرواية، وجوزها محمد وإن كانا في مصر واحد وعن أبي يوسف إن كان في مكان لو غدا لأداء الشهادة لا يستطيع أن يبيت في أهله صح الإشهاد والكتابة وفي السراجية وعليه الفتوى ا هـ‏.‏

‏(‏قوله ويبطل الكتاب إلخ‏)‏ هذا شرط آخر لقبول الكتاب والعمل به، وهو أن يكون القاضي الكاتب على قضائه نهر‏:‏ أي لأنه بمنزلة الشهادة فبموت الأصل قبل أداء الفروع الشهادة تبطل شهادة الفروع فكذا هذا ط عن العيني‏.‏ ‏(‏قوله قبل وصول الكتاب إلخ‏)‏ لو اقتصر على قوله قبل القراءة لأغناه، ولذا قال في الفتح العبارة الجيدة أن يقال‏:‏ لو مات قبل قراءة الكتاب لا قبل وصوله، لأن وصوله قبل ثبوته عند المكتوب إليه وقراءته لا يوجب شيئا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فلا يبطل‏)‏ أي في ظاهر الرواية بحر‏.‏ ‏(‏قوله ويبطل بجنون الكاتب إلخ‏)‏ في الخانية وإن عزل القاضي الكاتب أو مات بعد ما وصل الكتاب إلى الآخر فإنه يعمل به لأن الموت والعزل ليس بمخرج بخلاف ما إذا فسق الكاتب أو عمي أو صار بحال لا يجوز حكمه وشهادته، فإن الآخر لا يقبل كتابه لأن كتاب القاضي بمنزلة الشهادة، فما يمنع القضاء بشهادته يمنع القضاء بكتابه ا هـ‏.‏ وظاهره أنه يبطل بذلك ولو بعد وصوله مع أن الزيلعي صرح بأن ذلك كعزله ثم رأيت في البحر ذكر أن بين كلاميهما مخالفة، ولم يجب عنها تأمل ورأيت في البزازية مثل ما في الخانية وفي الدرر مثل ما هنا فالظاهر أن في المسألة قولين‏.‏ ‏(‏قوله وعمائه‏)‏ الأنسب وعماه بدون همز لأن العمى مقصور‏.‏ ‏(‏قوله وفسقه‏)‏ عبر عنه في النهر بقيل وقال إنه بناء على عزله بالفسق ومثله في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله وكذا بموت المكتوب إليه‏)‏ لأن الكاتب لما خصه فقد اعتمد عدالته وأمانته والقضاة متفاوتون في ذلك فصح التعيين نهر‏.‏ ‏(‏قوله إلا إذا عمم إلخ‏)‏ بأن قال إلى فلان قاضي بلد كذا وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين، لأن غيره صار تبعا له فتح‏.‏ ‏(‏قوله بخلاف ما لو عمم ابتداء‏)‏ بأن قال إلى كل من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم‏.‏ ‏(‏قوله وجوزه الثاني‏)‏ وكذا الشافعي وأحمد فتح‏.‏ ‏(‏قوله وعليه العمل‏)‏ قال الزيلعي‏:‏ واستحسنه كثير من المشايخ في الفتح، وهو الأوجه لأن إعلام المكتوب إليه وإن كان شرطا فبالعموم يعلم كما يعلم بالخصوص، وليس العموم من قبيل الإجمال والتجهيل فصار قصديته وتبعيته سواء نهر‏.‏

‏(‏قوله أيا كان‏)‏ أي مدعيا أو مدعى عليه‏.‏ ‏(‏قوله في بابه‏)‏ أي في باب الشهادة على الشهادة ح‏.‏ ‏(‏قوله خلافا لما وقع في الخانية هنا‏)‏ أي في هذا الباب حيث قال‏:‏ لو مات القاضي الكاتب أو عزل قبل وصول الكتاب بطل كتابه كشاهد الأصل إذا مات قبل أن يشهد الفرع على شهادة الأصل ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ثمة‏)‏ أي هناك أي في باب الشهادة على الشهادة حيث قال‏:‏ الشهادة على الشهادة لا تجوز إلا أن يكون المشهود على شهادته مريضا في المصر أو يكون ميتا إلخ وهذا هو الموافق للمتون‏.‏

مطلب في قضاء القاضي بعلمه

‏(‏قوله فمن جوزه جوزها‏)‏ وشرط جوازه عند الإمام أن يعلم في حال قضائه في المصر الذي هو قاضيه بحق غير حد خالص لله تعالى من قرض أو بيع أو غصب، أو تطليق أو قتل عمد أو حد قذف، فلو علم قبل القضاء في حقوق العباد‏:‏ ثم ولي فرفعت إليه تلك الحادثة أو علمها في حال قضائه في غير مصره ثم دخله فرفعت لا يقضي عنده، وقالا‏:‏ يقضي وكذا الخلاف لو علم بها وهو قاض في مصره، ثم عزل ثم أعيد وأما في حد الشرب والزنا فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقا منح ملخصا، وبه علم أنه في الحدود الخالصة لله تعالى لا ينفذ كما صرح به في شرح أدب القضاء معللا، بأن كل واحد من المسلمين يساوي القاضي فيه، وغير القاضي إذا علم لا يمكنه إقامة الحد فكذا هو ثم قال إلا في السكران أو من به أمارة السكر ينبغي له أن يعزره للتهمة ولا يكون حدا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ومن لا فلا‏)‏ قال في الفتح إلا أن التفاوت هنا هو أن القاضي يكتب بالعلم الحاصل قبل القضاء بالإجماع‏.‏ ‏(‏قوله إلا أن المعتمد‏)‏ أي عند المتأخرين لفساد قضاة الزمان، وعبارة الأشباه‏:‏ الفتوى اليوم على عدم العمل بعلم القاضي في زماننا كما في جامع الفصولين‏.‏ ‏(‏قوله وفيها‏)‏ أي في الأشباه نقلا عن السراجية، لكن في منية المفتي الملخصة من السراجية التعبير بالقاضي لا بالإمام حيث قال القاضي يقضي بعلمه بحد القذف والقصاص والتعزير، ثم قال قضى بعلمه في الحدود الخالصة لله تعالى لا يجوز ا هـ‏.‏ أفاده بعض المحشين، وهذا موافق لما مر عن الفتح من الفرق بين الحد الخالص لله تعالى وبين غيره ففي الأول لا يقضي اتفاقا بخلاف غيره فيجوز القضاء فيه بعلمه وهذا على قول المتقدمين، وهو خلاف المفتى به كما علمت‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر في النهر في الكفالة بحثا أنه يجب أن يحمل الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين على ما كان من حقوق العباد، أما حقوق الله المحضة فيقضي فيها بعلمه اتفاقا ثم استدل لذلك بأن له التعزير بعلمه‏.‏ قلت‏:‏ ولا يخفى أنه خطأ صريح مخالف لصريح كلامهم كما علمت‏.‏ وأما التعزير فليس بحد كما أسمعناك من عبارة شرح أدب القضاء وأيضا فهو ليس بقضاء‏.‏ ‏(‏قوله فهل الإمام قيد‏)‏ أقول على فرض ثبوته في عبارة السراجية ليس بقيد لما علمت من عبارة الفتح المصرحة بجواز قضاء القاضي بعلمه في قتل عمد أو حد قذف لكونه من حقوق العباد‏.‏ ‏(‏قوله لكن إلخ‏)‏ استدرك على ما نقله ثانيا عن الأشباه بأنه مبني على خلاف المختار، أو على قوله فهل الإمام قيد فإن قول الشرنبلالي لا يقضي بعلمه في الحدود الخالصة لله تعالى يعني اتفاقا يفهم منه أنه يقضي بعلمه في غيرها كحد قذف وقود وتعزير على قول المتقدمين، وهو خلاف المختار فيكون ذكر الإمام غير قيد فافهم‏.‏ ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي سواء كان علمه بعد توليته أو قبلها ح أو سواء كان حدا غير خالص لله تعالى أو قودا أو غيرهما من حقوق العباد‏.‏ ‏(‏قوله وخمر مطلقا‏)‏ أي سواء سكر منه أو لا‏.‏ ‏(‏قوله للتهمة‏)‏ أي إذا علم القاضي بأنه سكران له تعزيره لأن القاضي له تعزير المتهم وإن لم يثبت عليه كما مر تحريره في الكفالة‏.‏ ‏(‏قوله يثبت الحيلولة‏)‏ أي بأن يأمر بأن يحال بين المطلق وزوجته والمعتق وأمته أو عبده والغاصب وما غصبه بأن يجعله تحت يد أمين إلى أن يثبت ما علمه القاضي بوجه شرعي‏.‏ ‏(‏قوله على وجه الحسبة‏)‏ أي الاحتساب وطلب الثواب لئلا يطأها الزوج أو السيد أو الغاصب‏.‏ ‏(‏قوله لا القضاء‏)‏ أي لا على طريق الحكم بالطلاق أو العتاق أو الغصب

‏(‏قوله ولا يقبل كتاب القاضي‏)‏ الأولى حذف القاضي، لأن المحكم ليس قاضيا إلا أن يراد به ما يشمل المولى من السلطان وغيره‏.‏ ‏(‏قوله بل من قاض مولى إلخ‏)‏ أفاد أن هذا شرط في الكاتب فقط قال في المنح‏:‏ فلا تقبل من قاضي رستاق إلى قاضي مصر، وإنما تقبل من قاضي مصر إلى قاضي مصر آخر أو إلى قاضي رستاق‏.‏ ‏(‏قوله يملك إقامة الجمعة‏)‏ الظاهر أن هذا غير قيد، ولا سيما في زماننا لأن السلطان لا يأذن للقاضي بها، والظاهر أن مراده الإشارة إلى أن المراد قاضي المصر التي فيها الجمعة تأمل وفي المنح عن السراجية، وإنما تقبل كتب قضاة الأمصار التي تقام فيها الحدود وينفذ فيها حكم الحكام إلا فيما لا خطر له شرعا لأن الولاية لا تثبت إلا في محل قابل للولاية لمن هو أهل له‏.‏ ‏(‏قوله وقيل يقبل إلخ‏)‏ الظاهر أن الخلاف مبني على الخلاف في أن المصر هل هو شرط لنفاذ القضاء أم لا، فحكوا عن ظاهر الرواية أنه شرط وعن رواية النوادر أنه ليس بشرط وبه يفتى كما في البزازية فعلى هذا يفتى بقبوله من قاضي رستاق إلى قاضي مصر أو رستاق منح ومثله في شرح المقدسي، ورأيت بخط بعض الفضلاء أن ما ذكر من ابتناء الخلاف على الخلاف الآخر مصرح به في البزازية‏.‏ ‏(‏قوله واعتمده المصنف والكمال‏)‏ قد علمت كلام المصنف، وأما الكمال فقد قال‏:‏ والذي ينبغي أنه بعد عدالة شهود الأصل والكتاب لا فرق أي بين كونه من قاضي مصر أو غيره‏.‏

‏(‏قوله إلى من يصل إليه إلخ‏)‏ أي بناء على قول الثاني بجواز التعميم ابتداء كما مر‏.‏ ‏(‏قوله لعدم ولايته وقت الخطاب‏)‏ أي لأنه خطاب والخطاب إنما يصح إذا كان له ولاية وقته منح‏.‏ ‏(‏قوله ليس لنائبه أن يقبله‏)‏ لأنه قد كتب إلى غيره ولو جعل الخطاب إلى النائب وسماه باسمه ليس للمنيب أن يقبله، لأنه لا يقبل الكتاب إلا المكتوب إليه‏.‏

مطلب في جعل المرأة شاهدة في الوقف

‏(‏قوله‏:‏ في غير حد وقود‏)‏ لأنها لا تصلح شهادة فيهما فلا تصلح حاكمة‏.‏ ‏(‏قوله ولو بلا شرط واقف‏)‏ أما إذا شرط الواقف فلا شك فيه لأنها أهل للشهادة وأما بدون شرطه الناص عليها كما في صورة الحادثة التي ذكرها ففيه نزاع فقد رده في النهر بأن قوله ثم لولده لا يشمل الأنثى لأن عرف الواقفين مراعى، ولم يتفق تقرير أنثى شاهدة وفي وقف في زمن ما فيما علمنا فوجب صرف ألفاظه إلى ما تعارفوه وهو الشاهد الكامل إلى آخر كلامه، ونقل الحموي مثله عن المقدسي، ثم نقل عن بعضهم أن هذا لا يمنع كونها أهلا للشهادة وقول الأصحاب بجواز شهادتها وقضائها في غير حد وقود صريح في صحة تقريرها في الأوقاف ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لا يخفى ما فيه فإن الكلام ليس في أهليتها بل في دخولها في كلام الواقف المبني على المتعارف‏.‏

مطلب لا يصح تقرير المرأة في وظيفة الإمامة

‏[‏تنبيه‏]‏

وأما تقريرها في نحو وظيفة الإمام فلا شك في عدم صحته لعدم أهليتها خلافا لما زعمه بعض الجهلة أنه يصح وتستنيب، لأن صحة التقرير يعتمد وجود الأهلية، وجواز الاستنابة فرع صحة التقرير ا هـ‏.‏ أبو السعود‏.‏

مطلب لا يصح تولية السلطان مدرسا ليس بأهل

وفي الأشباه‏:‏ وإذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته لأن فعله مقيد بالمصلحة ولا مصلحة في تولية غير الأهل، وإذا عزل الأهل لم ينعزل وفي ‏[‏معيد النعم، ومبيد النقم‏]‏ المدرس إذا لم يكن صالحا للتدريس لم يحل له تناول المعلوم ا هـ‏.‏ والذي يظهر في تعريف أهلية التدريس أنها بمعرفة منطوق الكلام، ومفهومه وبمعرفة المفاهيم، وأن يكون له سابقة اشتغال على المشايخ، بحيث صار يعرف الاصطلاحات، ويقدر على أخذ المسائل من الكتب وأن يكون له قدرة على أن يسأل ويجيب إذا سئل ويتوقف ذلك على سابقة اشتغال في النحو والصرف بحيث صار يعرف الفاعل من المفعول وغير ذلك، وإذا قرأ لا يلحن وإذا قرأ لاحن بحضرته رد عليه ا هـ‏.‏ مختصرا ط‏.‏

مطلب في توجيه الوظائف للابن ولو صغيرا

قلت‏:‏ ومقتضاه أنه إذا مات الإمام أو المدرس لا يصح توجيه وظيفته على ابنه الصغير وقدمنا في الجهاد في آخر فصل الجزية عن العلامة البيري بعد كلام نقله إلى أن قال أقول هذا مؤيد لما هو عرف الحرمين الشريفين ومصر والروم ومن غير نكير من إبقاء أبناء الميت ولو كانوا صغارا على وظائف آبائهم من إمامة وخطابة وغير ذلك عرفا مرضيا لأن فيه إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على بذل الجهد في الاشتغال بالعلم وقد أفتى بجواز ذلك طائفة من أكابر الفضلاء الذين يعول على إفتائهم ا هـ‏.‏ وقيدنا ذلك هناك بما إذا اشتغل الابن بالعلم أما لو تركه وكبر وهو جاهل، فإنه يعزل وتعطى الوظيفة الأهل لفوات العلة، وقدمنا في الوقف أنه لا يصح جعل الصبي الصغير ناظرا على وقف فراجع ما حررناه في الموضعين‏.‏ ‏(‏قوله اختار‏)‏ أي الكمال في المسايرة هي رسالة في علم الكلام ساير بها عقيدة الغزالي ط‏.‏ ‏(‏قوله لبناء حالهن على الستر‏)‏ أي والرسول يحتاج إلى مخالطة الذكور بالتعليم وإقامة الحجج عليهم وغير ذلك مما لا يكون إلا من الذكور والجواز لا يقتضي الوقوع قال في بدء الأمالي‏.‏ وما كانت نبيا قط أنثى ط‏.‏

‏(‏قوله يرى جوازه‏)‏ قيد به لأن نفس القضاء إذا كان مختلفا فيه لا ينفذ ما لم ينفذه قاض آخر يرى جوازه، فحينئذ إذا رفع إلى من لا يراه نفذه بخلاف ما إذا كان الخلاف في طريق القضاء لا في نفسه، فإنه ينفذ على المخالف بدون تنفيذ آخر كما حررناه سابقا ولذا قال العيني‏:‏ ولو قضت بالحدود والقصاص وأمضاه قاض آخر يرى جوازه جاز بالإجماع، لأن نفس القضاء مجتهد فيه فإن شريحا كان يجوز شهادة النساء مع رجل في الحدود والقصاص وقال الشيخ أبو المعين النسفي في شرح الجامع الكبير‏:‏ ولو قضى القاضي في الحدود بشهادة رجل وامرأتين نفذ قضاؤه وليس لغيره إبطاله لأنه قضى في فصل مجتهد فيه وليس نفس القضاء هنا مختلفا فيه ا هـ‏.‏ أي بخلاف قضاء المرأة في الحدود فإن المجتهد فيه نفس القضاء‏.‏ ‏(‏قوله والخنثى كالأنثى‏)‏ أي فيصح قضاؤه في غير حد وقود بالأولى وينبغي أن لا يصح في الحدود والقصاص لشبهة الأنوثة بحر‏.‏ ‏(‏قوله أو لولده‏)‏ أي ونحوه من كل من لا تقبل شهادته له كما يعلم مما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله فأناب غيره‏)‏ أي وكان من أهل الإنابة بحر عن السراجية أي بأن كان مأذونا له بالإنابة‏.‏ ‏(‏قوله كما لو قضى‏)‏ أي القاضي‏.‏ ‏(‏قوله خلافا للجواهر‏)‏ حيث قال فيها القاضي إذا كانت له خصومة على إنسان فاستخلف خليفة فقضى له على خصمه لا ينفذ، لأن قضاء نائبه كقضائه بنفسه وذلك غير جائز لما ذكر محمد أن من وكل رجلا بشيء ثم صار الوكيل قاضيا فقضى لموكله في تلك الحادثة لم يجز، لأنه قضى لمن ولاه ذلك، فكذلك نائب هذا القاضي قال والوجه لمن ابتلي بمثل هذا أن يطلب من السلطان الذي ولاه أن يولي قاضيا آخر حتى يختصما إليه، فيقضي أو يتحاكما إلى حاكم محكم ويتراضيا بقضائه فيقضي بينهما فيجوز ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ولعل هذا محمول على ما إذا لم يكن القاضي مأذونا له بالإنابة كما يدل عليه قوله والوجه إلخ وإلا فلو كان مأذونا كان نائبه نائبا عن السلطان كما مر في فصل الحبس، فلا يحتاج إلى أن يطلب من السلطان تولية قاض آخر فلذا مشى المصنف هنا على الجواز وإن تردد فيه في شرحه قبيل قوله ويرد هدية‏.‏

‏(‏قوله لا يقضي القاضي إلخ‏)‏ في الهندية لا يجوز للقاضي أن يقضي لوكيله ولا لوكيل وكيله ولا لوكيل أبيه وإن علا أو ابنه وإن سفل، ولا لعبده ولا لمكاتبه ولا لعبيد من لا تقبل شهادتهم له ولا لمكاتبهم، ولا لشريكه مفاوضة أو عنانا في مال هذه الشركة كذا في المحيط، وكل من لا تجوز شهادته كالوالدين والمولودين والزوج والزوجة كذا في شرح الطحاوي ا هـ‏.‏ ملخصا وفي معين الحكام مما يجري مجرى القضاء الإفتاء فينبغي للمفتي الهروب من هذا متى قدر ا هـ‏.‏ أي وكان هناك مفت غيره حموي ط‏.‏ قلت‏:‏ والعلة في ذلك التهمة ‏(‏قوله إلا في الوصية‏)‏ صورتها ما في الأشباه لو كان القاضي غريم ميت، فأثبت أن فلانا وصيه صح وبرئ بالدفع إليه بخلاف ما إذا دفع له قبل القضاء امتنع القضاء وبخلاف الوكالة عن غائب فإنه لا يجوز القضاء بها إذا كان القاضي مديون الغائب سواء كان قبل الدفع أو بعده‏.‏ ‏(‏قوله ولو في حياة امرأته وأبيه‏)‏ لكن بعد موتها يقضي فيما لم يرث منه كما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله وزاد بيتين‏)‏ أي زاد على نظم الوهبانية بيتين وهما الأولان أما الثالث فهو من زيادات شارحها ابن الشحنة نقله عنه الشرنبلالي في شرحه‏.‏ ‏(‏قوله لأم العرس‏)‏ بكسر العين أي لأم زوجته‏.‏ ‏(‏قوله محرر‏)‏ خبر لمبتدإ محذوف أي هذا الحكم محرر ط‏.‏ ‏(‏قوله بميراث‏)‏ بدون تنوين للضرورة ولو قال من الإرث لكان أولى‏.‏ ‏(‏قوله مقضي‏)‏ بالرفع فاعل خلا قال الشرنبلالي في شرحه فأم زوجته يصح لها القضاء بالمال وغيره حال حياة زوجته، وبعد موت الزوجة يصح فيما لم يكن ميراثا له عن زوجته، ولا يصح في الموروث لاستحقاق القاضي حصة منه بالميراث من زوجته وقضاؤه لزوجة أبيه كذلك في حال حياة الأب يصح مطلقا وبعد موته يخص بما لا يرث منه القاضي كما إذا ادعت استحقاقا في وقف يخصها ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن هذا أيضا مخصوص بما إذا كانت أم زوجته المقضي لها حية وإلا كان قضاء لزوجته فيما ترث منه‏.‏ ‏(‏قوله ويقضي إلخ‏)‏ فاعله قوله مستحق قال الشرنبلالي صورتها‏:‏ وقف على علماء كذا وسلم للمتولي فادعي فساد الوقف بسبب الشيوع عند قاض ومن أولئك العلماء نفذ قضاؤه، وكذا يقضي فيما هو تحت نظره من الأوقاف قال ابن الشحنة وقولي لوصف القضاء والعلم ليخرج ما لو كان استحقاقه لذاته لا لوصف وهذه المسألة نظير مسألة الشهادة على وقف لمدرسة وهو مستحق وستأتي في كتاب الشهادات والله سبحانه أعلم‏.‏